الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي للفتاوي ***
بسم الله الرحمن الرحيم وصل كتاب الإعلام إلى حلب فوقف عليه واقف فرأى قولي فيه إن جبريل هو السفير بين الله وبين أنبيائه لا يعرف ذلك لغيره من الملائكة. فكتب على الهامش بخطه ما نصه بل قد عرف ذلك لغيره من الملائكة قال الحافظ برهان الدين الحلبي في شرح البخاري أعلم أن في كيفية نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع صور ذكرها السهيلي في روضه إلى أن قال سابعها وحي إسرافيل كما ثبت عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل به إسرافيل فكان يتراءى له ويأتيه بالكلمة والشيء ثم وكل به جبريل، قال ابن عبد البر في أول الاستيعاب وساق سندا إلى الشعبي قال أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين ثم نقل عن شيخه ابن الملقن أن المشهور أن جبريل ابتدأه بالوحي انتهى. ما كتبه المعترض. وأقول الجواب عن ذلك من وجوه: أحدهما ما نقله المعترض نفسه في آخر كلامه عن ابن الملقن أن المشهور أن جبريل ابتدأه بالوحي وإنما قال ابن الملقن ذلك لأنه الثابت في أحاديث الصحيحين وغيرهما وأثر الشعبي مرسل أو معضل فكيف يعتمد عليه مع ثبوت خلافه في الصحيحين وغيرهما والعجب من المعترض كيف اعترض بما لم يثبت مع نقله في آخر كلامه أن المشهور خلاف ما اعترض به. "الوجه الثاني" أن المراد بالسفير الذي هو مرصد لذلك وذلك لا يعرف لغير جبريل ولا ينافي ذلك مجيء غيره من الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان كما أن كاتب السر مرصد للتوقيع عن السلطان ولا ينافي ذلك أن يوقع عنه غيره في بعض الأحيان فلا يسلب كاتب السر الاختصاص بهذا الاسم ولا يشاركه فيه من وقع مرة أو مرتين فكذلك لا يسلب جبريل الاختصاص باسم السفير ولا يشاركه فيه أحد من الملائكة الذين جاءوا إلى الأنبياء في وقت ما وكم من ملك غير إسرافيل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قضايا متعددة كما هو في كثير من الأحاديث وجاء ملك الموت إلى إبراهيم عليه السلام فبشره بالخلة فعجب من المعترض كيف اقتصر على إسرافيل دون مجيء غيره من الملائكة. "الوجه الثالث" إن العبارة التي أوردتها وهو السفير بين الله وبين أنبيائه بصيغة الجمع وإسرافيل لم ينزل إلى أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث، وذكر بعض العلماء في حكمته أنه الموكل بالنفخ في الصور والنبي صلى الله عليه وسلم بعث قرب الساعة وكانت بعثته من اشراطها فبعث إليه إسرافيل بهذه المناسبة ولم يبعث إلى نبي قبله وحينئذ فالمبعوث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقط لا يصدق عليه أنه سفير بين الله وبين أنبيائه بصيغة الجمع لأنه لم يكن سفيرا إلا بين الله وبين نبي واحد والحكم المنفي عن المجموع لا يلزم نفيه عن فرد من أفراد ذلك المجموع فلا يصح النقض به. "الوجه الرابع" أنه قد ورد في الحديث ما يوهي أثر الشعبي وهو ما أخرجه مسلم والنسائي والحاكم عن ابن عباس قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعنده جبريل إذ سمع نقيضا من السماء من فوق فرجع جبريل بصره إلى السماء فقال يا محمد هذا ملك قد نزل لم ينزل إلى الأرض قط قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيتهما قال جماعة من العلماء هذا الملك هو إسرافيل. وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لقد هبط علي ملك من السماء ما هبط على نبي قبلي ولا يهبط على أحد بعدي وهو إسرافيل فقال أنا رسول ربك إليك أمرني أخبرك إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا فنظرت إلى جبريل فأومأ إلى أن تواضع فلو أني قلت نبيا ملكا لسارت الجبال معي ذهبا. وهاتان القضيتان بعد ابتداء الوحي بسنين كما يعرف من سائر طرق الأحاديث وهما ظاهران في أن إسرافيل لم ينزل إليه قبل ذلك فكيف يصح قول الشعبي أنه أتاه في ابتداء الوحي. "الوجه الخامس" أنه قد أقمنا في الأعلام الدليل على ذلك عقبه وهو قول ورقة جبريل أمين الله بينه وبين رسوله، وقول ابن سابط فوكل جبريل بالكتب والوحي إلى الأنبياء. وقال عطاء بن السائب أول ما يحاسب جبريل لأنه كان أمين الله إلى رسله وميكائيل يتلقى الكتب وإسرافيل بمنزلة الحاجب وقوله صلى الله عليه وسلم فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين - الحديث وآثار أخر. وقلنا في آخر الكلام فعرف بمجموع هذه الآثار اختصاص جبريل من بين سائر الملائكة بالوحي إلى الأنبياء أفما كان عند المعترض من الفطنة ما يهتدي به لصحة هذا الكلام أخذا من هذه الأدلة. هذا آخر الجواب والله أعلم.
وهو ثلاثة أقسام: أحوال البرزخ، وأشراط الساعة، والبعث.
اللمعة في أجوبة الأسئلة السبعة مسألة: هل يعلم الأموات بزيارة الأحياء وبما هم فيه وهل يسمع الميت كلام الناس وما يقال فيه وأين مقر الأرواح وهل تجتمع ويرى بعضهم بعضا وهل يسأل الشهيد والطفل. الجواب: هذه مسائل مهمة قل من تكلم عليها بما يشفى وأنا إن شاء الله تعالى أتتبع الأحاديث والآثار الواردة في ذلك: أما المسألة الأولى فنعم يعلمون بذلك، روى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عليه إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم"، وروى ابن عبد البر في الاستذكار والتمهيد من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام"، صححه أبو محمد عبد الحق. وروى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن محمد بن قدامة الجوهري عن معن بن عيسى القزار عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام، وروى فيه عن محمد ابن واسع قال بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده وعن الضحاك قال من زار قبرا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته قيل له وكيف ذلك قال لمكان يوم الجمعة. وأما المسألة الثانية وهي علم الأموات بأحوال الأحياء وبما هم فيه فنعم أيضا، روى الإمام أحمد في مسنده ثنا عبد الرزاق عن سفيان عمن سمع أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا" وقال أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا الصلت بن دينار عن الحسن عن جابر ابن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أعمالكم تعرض على عشائركم وعلى أقربائكم في قبورهم فإن كان خيرا استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك، وروى الطبراني في الأوسط من طريق مسلمة بن علي وهو ضعيف عن زيد بن واقد وهشام بن الغاز عن مكحول عن عبد الرحمن بن سلامة عن أبي رهم عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما تلقون البشير من أهل الدنيا فيقولون أنظروا صاحبكم ليستريح فإنه في كرب شديد ثم ليسألونه ما فعل فلان وفلانة هل تزوجت فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقول أيهات قد مات ذاك قبلي فيقولون إنا لله وإنا إليه راجعون ذهبت به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية، وقال إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من أهل الآخرة فإن كان خيرا فرحوا واستبشروا وقالوا اللهم هذا فضلك ورحمتك فأتمم نعمتك عليه وأمته عليها ويعرض عليهم عمل المسيء فيقولون اللهم ألهمه عملا صالحا ترضى به وتقربه إليك، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسحاق عن عبد الله ابن المبارك عن ثور بن يزيد عن أبي رهم عن أبي أيوب قال تعرض أعمالكم على الموتى فإن رأوا حسنا فرحوا واستبشروا وإن رأوا سواء قالوا اللهم راجع به، وروى الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث عبد الغفور بن عبد العزيز عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس على الله وتعرض على الأنبياء وعلى الآباء والأمهات يوم الجمعة فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا وإشراقا فاتقوا الله ولا تؤذوا أمواتكم، وروى ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات ثنا القاسم بن هاشم ومحمد بن رزق الله قالا ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ثنا أبو إسماعيل السلولي سمعت مالك بن الداء يقول سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله الله في أخوانكم من أهل القبور فإن أعمالكم تعرض عليهم، وقال ثنا عبد الله بن شبيب ثنا أبو بكر بن شيبة الحزامي ثنا فليح بن إسماعيل نبأ محمد بن جعفر بن أبي كثير بن زيد بن أسلم عن أبي صالح والمقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور، وقال نبأ الحسن بن عبد العزيز نبأ عمرو ابن أبي سلمة عن سعيد بن عبد العزيز عن بلال بن أبي الدرداء قال كنت أسمع أبا الدرداء يقول اللهم أني أعوذ بك أن يمقتني خالي عبد الله بن رواحة إذا لقيته، وقال ثنا أبو هشام ثنا يحيى بن يمان عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال أنه ليبشر بصلاح ولده من بعده لتقر بذلك عينه. وأما المسألة الثالثة وهي هل يسمع الميت كلام الناس وثناءهم عليه وقولهم فيه فنعم أيضا أخرج الإمام أحمد في مسنده والمروزي في الجنائز وابن أبي الدنيا وغيرهم من طريق أبي عامر العقدي عن عبد الملك بن الحسن المدني عن سعد بن عمرو بن سليم عن معاوية - أو ابن معاوية - عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الميت يعرف من يغسله ويحمله ويدليه في قبره. وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق آخر عن أبي سعيد. وأخرج ابن أبي الدنيا وغيره بأسانيد عن عمرو بن دينار وبكر بن عبد الله المزني وسفيان الثوري وغيرهم معنى ذلك، وقال ابن أبي الدنيا حدثنا سريج بن يونس ثنا عبيدة بن حميد أخبرني عمار عن سالم بن أبي الجعد قال قال حذيفة الروح بيد ملك وأن الجسد ليغسل وأن الملك ليمشي معه إلى القبر فإذا سوى عليه سلك فيه فذلك حين يخاطب. وقال ثنا الحسين بن عمرو القرشي ثنا أبو داود الحفري ثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال الروح بيد ملك يمشي به مع الجنازة يقول له اسمع ما يقال لك فإذا بلغ حفرته دفنه معه. وأما المسألة الرابعة وهي مقر الأرواح فهي أجل هذه المسائل وأنا أستوفي لها إن شاء الله تعالى ما وقفت عليه في ذلك: روى مالك في الموطأ عن أبن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن أباه كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه، هذا حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن الشافعي عن مالك، والنسائي وغيره. وأخرج أحمد والطبراني في الكبير بسند حسن عن أم هانئ أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم انتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون النسم طيرا تعلق بالشجر حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها، وأخرج مسلم وغيره من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا أرواح الشهداء عند الله في حواصل طيور تسرح في أنهار الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش، وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم بسند صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أصيب أصحابكم بأحد جعل الله أروحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش. وأخرج أحمد وعبد في مسنديهما والطبراني بسند حسن عن محمود بن لبيد عن ابن عباس مرفوعا الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة غدوة وعشية، وأخرج البيهقي في البعث والطبراني بسند حسن عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال لما حضرت كعبا الوفاة أتته أم مبشر بنت البراء فقالت يا أبا عبد الرحمن إن لقيت كعبا فاقرأه مني السلام فقال لها يغفر الله لك يا أم بشر نحن أشغل من ذلك فقال أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن نسمة المؤمن تسرح في الجنة حيث شاءت ونسمة الكافر في سجين قال بلى قالت فهو ذاك. وقال الطبراني حدثنا أبو زرعة الدمشقي ثنا عبد الله بن صالح عن ضمرة بن حبيب قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أرواح المؤمنين فقال في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت قالوا يا رسول الله وأرواح الكفار قال محبوسة في سجين، هذا حديث مرسل، وأخرج أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه والبيهقي وابن أبي داود في كتابي البعث لهما وغيرهم من طرق عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة، صححه الحاكم. وأخرج البيهقي في الدلائل وابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسيريهما وغيرهم من طريق أبي محمد الحماني عن أبي هرون العبدي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم تر الخلائق أحسن من المعراج ما رأيت الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء فإن ذلك عجبه بالمعراج فصعدت أنا وجبريل فاستفتح باب السماء فإذا أنا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين، وقال أبو نعيم الأصبهاني حدثنا أحمد بن إبراهيم الكيال ثنا موسى بن شعيب أبو عمران السمرقندي ثنا محمد بن سهيل ثنا أبو مقاتل السمرقندي ثنا أبو سهل هشام بن مصك عن الحسن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة. هذا ما وقفت عليه من الأحاديث المرفوعة، وأما الموقوفة فقال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن رجاء ثنا النضر بن شميل ثنا حماد بن سلمة ثنا علي بن يزيد بن جدعان عن يوسف ابن مهران عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال أبغض بقعة في الأرض إلى الله واد يقال له برهوت فيه أرواح الكفار، وأسند البيهقي في البعث وابن أبي الدنيا في كتاب المنامات عن سعيد بن المسيب أن سلمان الفارسي وعبد الله بن سلام التقيا فقال أحدهما لصاحبه أن لقيت ربك قبلي فأخبرني ماذا لقيت فقال أو يلقى الأحياء الأموات فقال نعم أما المؤمنون فإن أرواحهم في الجنة وهي تذهب حيث شاءت، وأسند البيهقي والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو قال الجنة مطوية في قرون الشمس تنشر في كل عام مرتين وأرواح المؤمنين في طير كالزرازير تأكل من شجر الجنة، وأسند المروزي في الجنائز عن العباس بن عبد المطلب قال ترفع ارواح المؤمنين إلى جبريل فيقال أنت ولي هذه إلى يوم القيامة، وأسند عن عبد الله ابن عمرو قال أرواح الكفار تجمع ببرهوت سبخة بحضرموت وأرواح المؤمنين تجتمع بالجابية، واسند البيهقي عن ابن عباس عن كعب قال جنة المأوى فيها طير خضر ترتقي فيها أرواح الشهداء تسرح في الجنة وأرواح آل فرعون في طير سود تغدو على النار وتروح وأن أطفال المسلمين في عصافير الجنة، واسند أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال إن لله في السماء السابعة دارا يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين فإذا مات الميت من أهل الدنيا تلقته الأرواح يسألونه عن أخبار الدنيا كما يسأل الغائب أهله إذا قدم عليهم، وقال ابن أبي الدنيا حدثنا خالد بن خداش سمعت مالك بن أنس يقول بلغني أن أرواح المؤمنين مرسلة تذهب حيث شاءت. وأما المسألة الخامسة وهي هل تجتمع الأرواح ويرى بعضهم بعضا فنعم أيضا وقد تقدم ذلك في حديث أبي أيوب عند الطبراني وفي حديث أم بشر عنده وعند البيهقي وفي أثر وهب وقال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ثنا فضيل بن سليمان النميري ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده قال لما مات بشر بن البراء بن معرور وجدت عليه أمه وجدا شديدا فقالت يا رسول الله أنه لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة فهل تتعارف الموتى فأرسل إلى بشر بالسلام فقال نعم والذي نفسي بيده أنهم ليتعارفون كما تتعارف الطير في رؤوس الشجر وكان لا يهلك هالك من بني سلمة إلا جاءته أم بشر فقالت يا فلان عليك السلام فيقول وعليك فتقول اقرأ على بشر السلام، وقال الإمام أحمد في مسنده حدثنا الحسن ثنا ابن لهيعة عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله ابن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن روحي المؤمنين ليلتقيان على مسيرة يوم وما رأى أحدهما صاحبه قط، وأخرج البزار بسند صحيح عن أبي هريرة رفعه أن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين يود لو خرجت نفسه والله يحب لقاء المؤمن وأن المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفه من أهل الأرض فإذا قال تركت فلانا في الدنيا أعجبهم ذلك وإذا قال أن فلانا قد مات قالوا ما جيء به إلينا، وأخرج ابن أبي الدنيا بأسانيد عن عبيد بن عمير قال إذا مات الميت تلقته الأرواح فيستخبرونه كما يستخبر الراكب ما فعل فلان وفلان، وعن الحسن قال إذا احتضر المؤمن حضره خمسمائة ملك يقبضون روحه فيعرجون به إلى السماء الدنيا فتلقاه أرواح المؤمنين الماضين فيريدون أن يستخبروه فتقول لهم الملائكة ارفقوا به فإنه خرج من كرب عظيم فيسأله الرجل عن أخيه وعن صاحبه، وعن سعيد بن جبير قال إذا مات الميت استقبله ولده كما يستقبل الغائب، وعن ثابت البناني قال بلغنا أن الميت إذا مات احتوشه أهله وأقاربه الذين قد تقدموه من الموتى فهو أفرح بهم وهو افرح به من المسافر إذا قدم على أهله. وأما المسألة السادسة وهي أن الشهيد هل يسأل: فجوابه لا صرح به جماعة منهم القرطبي واستدل بحديث مسلم أنه صلى الله عليه وسلم سئل هل يفتن الشهيد فقال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة، قال القرطبي ومعناه أن السؤال في القبر إنما جعل لامتحان المؤمن الصادق في إيمانه من المنافق وثبوته تحت بارقة السيوف أدل دليل على صدقه في إيمانه وإلا لفر إلى الكفار. وأما المسألة السابعة وهي أن الطفل هل يسأل: ففيه قولان للحنابلة حكاهما ابن القيم في كتاب الروح وقول النووي في الروضة وشرح المهذب إن التلقين بعد الدفن مختص بالبالغ وأن الصبي الصغير لا يلقن دليل على اختياره أنه لا يسأل والله أعلم. مسألة: ماذا يقول إمام العصر مجتهد * قد فاق سالفه في العجم والعرب فيما روى عن رسول الله من كلم * لأهل بدر وقد ردوا إلى القلب وقيل كلمت موتى لإسماع لهم * فقال لستم باسمع جاء في الكتب وقال لا تسمع الموتى الآله وذا * معارض للذي قلناه في الرتب لا زلت ترشد عبدا ظل في دلك * بواضح الفرق جالى الشك والرتب الجواب: الحمد لله حمدا دائم الحقب * ثم الصلاة على المبعوث خير نبي سماع موتى كلام الخلق معتقد * جاءت به عندنا الآثار في الكتب وآية النفي معناها سماع هدى * لا يقبلون ولا يصغون للأدب فالنفي جاء على معنى المجاز فخذ * واجمع به بين ذا مع هذه تصب مسألة: سؤال منكر ونكير في القبر هل هو عام لجميع الخلق أو يستثنى منه أحد وهل يسأل الأطفال والسقط. الجواب: ليس عاما للخلق بل يستثنى منه الشهيد ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سئل أيفتن الشهيد في قبره فقال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة. قال القرطبي في التذكرة نقلا عن الحكيم الترمذي معناه أنه لو كان عنده نفاق فر عند التقاء الزحفين وبريق السيوف لأن من شأن المنافق الفرار عند ذلك وشأن المؤمن البذل والتسليم لله فلما ظهر صدق ضميره حيث برز للحرب والقتل لم يعد عليه السؤال في القبر الموضوع لامتحان المسلم الخالص من المنافق، قال القرطبي وإذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق من باب أولى لأنه أجل قدرا. وممن يستثنى المرابط فقد ورد فيه أحاديث. والمطعون والصابر في بلد الطعن محتسبا ومات بغير الطاعون - صرح به الحافظ ابن حجر في كتاب بذل الماعون. والأطفال في أصح القولين.
بسم الله الرحمن الرحيم مسألة: اختلف في الأطفال هل يفتنون في قبورهم ويسألهم منكر ونكير أولا على قولين شهيرين حكاهما ابن القيم في كتاب الروح عن أصحابه الحنابلة ورأيتهما أيضا للحنفية وللمالكية ويخرجان من كلام أصحابنا الشافعية: أحدهما أنهم لا يسألون وبه جزم النسفي من الحنفية وهو مقتضى كلام ابن الصلاح والنووي وابن الرفعة والسبكي وصرح به الزركشي وأفتى به الحافظ ابن حجر. والثاني: أنهم يسألون رويناه عن الضحاك من التابعين وجزم به من الحنفية البزازي والبيكساري والشيخ أكمل الدين وهو مقتضى كلام ابن فورك والمتولى وابن يونس من أصحابنا ونقله الشيخ سعد الدين التفتازاني عن أبي شجاع وجزم به من المالكية القرطبي في التذكرة والفاكهاني وابن ناجي والأقفهسي وصححه صاحب المصباح في علم الكلام. ذكر نقول القول الأول: قال النسفي في بحر الكلام الأنبياء وأطفال المؤمنين ليس عليهم حساب ولا عذاب القبر ولا سؤال منكر ونكير. وقال النووي في الروضة من زوائده وفي شرح المهذب التلقين إنما هو في حق الميت المكلف أما الصبي ونحوه فلا يلقن قال الزركشي في الخادم هذا تابع فيه ابن الصلاح فإنه قال لا أصل لتلقينه يعني لأنه لا يفتن في قبره. وقال في موضع آخر في الخادم ما قاله ابن الصلاح والنووي مبني على أنه لا يسأل في قبره انتهى. وقد تابعهما على ذلك ابن الرفعة في الكفاية والسبكي في شرح المنهاج، وسئل الحافظ ابن حجر عن الأطفال هل يسألون فأجاب بأن الذي يظهر اختصاص السؤال بمن يكون مكلفا. ذكر نقول القول الثاني: أخرج ابن جرير في تفسيره عن جويبر قال مات ابن للضحاك بن مزاحم ابن ستة أيام فقال إذا وضعت ابني في لحده فأبرز وجهه وحل عقده فإن ابني مجلس ومسؤول فقلت عم يسأل قال عن الميثاق الذي أقربه في صلب آدم. وقال البزازي من الحنفية في فتاويه السؤال لكل ذي روح حتى الصبي والله تعالى يلهمه وقال الزركشي في الخادم قد صرح ابن يونس في شرح التعجيز بأنه يستحب تلقين الطفل واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لقن ابنه إبراهيم قال وهذا احتج به المتولى في أصل المسألة. وقال السبكي في شرح المنهاج إنما يلقن الميت المكلف أما الصبي فلا يلقن وقال في التتمة إن النبي صلى الله عليه وسلم لما لحد ابنه إبراهيم لقنه وهذا غريب انتهى. وعبارة التتمة الأصل في التلقين ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن إبراهيم قال قل الله ربي ورسولي أبي والإسلام ديني فقيل له يا رسول الله أنت تلقنه فمن يلقننا فأنزل الله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) انتهى. وقال الشيخ سعد الدين في شرح العقائد قال أبو شجاع أن للصبيان سؤالا. وقال صاحب المصباح الأصح أن الأنبياء لا يسألون وتسأل أطفال المسلمين، وتوقف أبو حنيفة في سؤال أطفال المشركين. وقال القرطبي في التذكرة فإن قالوا ما حكم الصغار عندكم قلناهم كالبالغين وأن العقل يكمل لهم ليعرفوا بذلك منزلتهم وسعادتهم ويلهمون الجواب عما يسألون عنه. هذا ما تقتضيه ظواهر الأخبار وقد جاء أن القبر ينضم عليهم كما ينضم على الكبار. وقد روى هناد بن السري عن أبي هريرة أنه كان يصلي على المنفوس ما عمل خطيئة قط فيقول اللهم أجره من عذاب القبر انتهى. والأولون قالوا إنما يكون السؤال لمن عقل الرسول والمرسل فيسأل هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا. قالوا والجواب عن حديث أبي هريرة أنه ليس المراد فيه بعذاب القبر عقوبته ولا السؤال بل مجرد الألم بالغم والهم والحسرة والوحشة والضغطة التي تعم الأطفال وغيرهم، وقد يستشهد لأصحاب القول الثاني بما أخرجه ابن شاهين في السنة قال حدثنا عبد الله بن سليمان قال ثنا عمرو بن عثمان قال ثنا بقية قال حدثني صفوان قال حدثني راشد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول تعلموا حجتكم فإنكم مسؤولون حتى إن كان أهل البيت من الأنصار يحضر الرجل منهم الموت فيوصونه والغلام إذا عقل فيقولون له إذا سألوك من ربك فقل الله ربي وما دينك فقل الإسلام ديني ومن نبيك فقل محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما رجحت القول الأول في كتاب شرح الصدور وغيره تبعا لأهل مذهبنا فإن الأئمة المتأخرين منهم عليه والله تعالى أعلم. ثم رأيت في شرح الرسالة لأبي زيد عبد الرحمن الجزولي ما نصه: يظهر من أكثر الأحاديث أن المؤمنين يفتنون في قبورهم سواء كانوا مكلفين أو غير مكلفين ويؤخذ من بعض الأحاديث إنه إنما أراد المكلفين. ويظهر من كلام أبي محمد هنا ومما يأتي أنه أراد المكلفين وغير المكلفين لأنه قال فيما يأتي أنه أراد المكلفين وعافه من فتنة القبر، وللشيوخ هنا تأويلان فمنهم من ترك الكتاب على ظاهره ومنهم من قيده فقال يريد المكلفين ولكن يناقضه ما قال في الجنائز انتهى. وقال يوسف بن عمر في شرح الرسالة المراد بالمؤمنين في قوله وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم غير المجاهدين الشهيدين في سبيل الله وغير الصبيان على قول. وقال الشيخ أكمل الدين في الإرشاد السؤال لكل ميت كبير أو صغير يسأل إذا غاب عن الآدميين وإذا مات في البحر أو أكله السبع فهو مسؤول والأصح أن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون. ثم رأيت الحديث المشار إليه في تلقين إبراهيم أو رده الأستاذ أبو بكر بن فورك في كتابه المسمى بالنظامي في أصول الدين مستدلا به على أصل السؤال وعبارته إعلم أن السؤال في القبر حق وأنكرت المعتزلة ذلك بناء على أصلهم الواهي ويدل على صحة ما قلناه ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما دفن ولده إبراهيم وقف على قبره فقال يا بني القلب يحزن والعين تدمع لا نقول ما يسخط الرب إنا لله وإنا إليه راجعون يا بني قل الله ربي والإسلام ديني ورسول الله أبي فبكت الصحابة وبكى عمر بن الخطاب بكاء ارتفع له صوته فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عمر يبكي والصحابة معه فقال يا عمر ما يبكيك فقال يا رسول الله هذا ولدك وما بلغ الحلم ولا جرى عليه القلم ويحتاج إلى ملقن مثلك يلقنه التوحيد في مثل هذا الوقت فما حال عمر وقد بلغ الحلم وجرى عليه القلم وليس له ملقن مثلك أي شيء تكون صورته في مثل هذه الحالة فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكت الصحابة معه ونزل جبريل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب بكائهم فذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله عمر وما ورد عليهم من قوله عليه السلام فصعد جبريل ونزل وقال ربك يقرئك السلام ويقول (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) يريد بذلك وقت الموت وعند السؤال في القبر فتلا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم الآية فطابت الأنفس وسكنت القلوب وشكروا الله تعالى. ومن النقول الموافقة للقول الثاني قال شمس الدين البيكساري في شرح عمدة النسفي السؤال لكل ميت صغيرا كان أو كبيرا وأبو حنيفة توقف في أطفال المشركين في أنهم هل يسألون ويدخلون الجنة أم لا وعند غيره يسألون. وذكر الفاكهاني في شرح الرسالة كلام القرطبي في أن الصغار يسألون ثم قال وقال بعض المتأخرين وليس في إحياء الأطفال خبر مقطوع به والعقل يجوزه وقال الجمال الأقفهسي في شرح الرسالة ظاهر قول الرسالة وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون إن كان المكلف وغيره يسأل وهو الذي يظهر من أكثر الأحاديث. وقال أبو القاسم بن عيسى بن ناجي في شرح الرسالة ظاهر كلام الشيخ أن الصبي يفتن وهو كذلك قاله القرطبي في تذكرته. وقال أيضا في باب الدعاء للطفل والصلاة عليه عند قوله وعافه من فتنة القبر هذا كالنص في أن الصغير يسأله منكر ونكير.
|